إن احترام المُسِن والشيخ وذي الشَّيبة، خلق حميد وسلوك طيب، وسمة أساسية من سمات النسق الأخلاقي والاجتماعي الفريد الذي جاء به الإسلام، حتى أن رحمة المشرع بكبار السن بلغت إلى حد أنه جعل أحكاما فقهية خاصة بالمسنين، رعاية وشفقة بهم، والمتأمل في مجمل هذه الأحكام يرى مساحة عظيمة من الرفق، ومراعاة لحالة المسنين الصحية والذهنية والنفسية أيضا، فالشيخوخة ليست عمرا زمنيا فقط، بل هي عمر عقلي أيضا، ففي الصلاة شرَّع الإسلام تشريعات خاصة للمتقدمين في السِّن من حيث قيامهم أو قعودهم أو التخفيف في صلاة الجماعة مراعاة لوجودهم بين المصلين، وفي الصوم أجاز لبعضهم إفطار رمضان، أما الحج فهناك عشرات الأحكام الشرعية الخاصة بهم، من أصل تكليفهم بالحج، إلى طوافهم وصلاتهم، إلى سعيهم بين الصفا والمروة، إلى تقديم بعض الأعمال، إلى المبيت و رمي الجمرات والإنابة، رأفة بهم واعتناء ومسحة رحمة من الله الحنَّان تبارك وتعالى.
حول هذا الموضوع تحدث فضيلة الشيخ بدر الحجرف – الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت- مؤكداً إن من سماحة هذا الدين ولطفه ونبله، أن أمرنا بأداء حقوق الأبوة وكبار السن، ورعايتهم، وتيسير أمورهم، والإحسان إليهم، وجعل لهذه السلوكيات الرحيمة جزاءا عاجلا، فكان البر والخير والإحسان من أسباب سعة الرزق في الدنيا، والبركة في العمر، والمعافاة من المصائب والمِحَن.
فقد جعل الله تعالى البركة في كبار السن، كما يقول الشيخ الحجرف، فالكبير سواءا كان أبا أو قريبا أو جارا، مسلما أو غير مسلم، له حقوق علينا، جاءت بها الشريعة، هذه الحقوق تبدأ أولا بتوقيره وإكرامه بحُسن الخطاب، ولين المعاملة، وجميل التودد، وأن تبدأه بالسلام إذا لقيته، ومخاطبته بألطف عبارة، كما ينبغي أن يُقَدَّم كبير السن في المجالس، وفي الدخول، والكلام، وأن يُراعَى وضعه الصحي والنفسي، بسبب كبر سنه وتغير طباعه قال تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ) الروم الروم 54 ، لذا يتعين على المسلم إذا وصل والديه إلى مرحلة متقدمة من السن وزادت طلباتهما وكثرت احتياجاتهما، أن يصبر عليهما، ويزيد من التلطف معهما، ولا يظهر كلمة تذمُّر أمامهما، ولا يمل ولا يسأم من قدراتهما المحدودة في التعامل اليومي، فقد خصَّ الله الوالدين بعظيم التكريم والترفق حين قال في محكم آياته: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} الإسراء: 23
ويضيف فضيلته أن من حقوق كبار السن على الناس أيضا، الدعاء لهم بطول العمر في طاعة الله عز وجل، والتمتع بالصحة والعافية، والدعاء لهم بحسن الخاتمة وأن يُكتَبوا عند الله ممن طال عمره وحسن عمله.
إن كبار السن وذوي الأعمار المديدة – يقول الشيخ بدر- يعيشون مرحلة إقبال على الآخرة، لذا الطاعة فيهم تزيد، والخير فيهم يكثر، والوقار عليهم يظهر، لذا فإن من الواجب على الشباب أن يتقوا الله عز وجل ويراقبوه بمراعاة حقوق هؤلاء الأخيار، فهم أهل الصيام والقيام، والحمد والإنابة.
ينبغي أن يحرص الشباب على طاعة الله فيهم، ببرهم آباءهم، وحفظ أقدار أكابرهم، والإحسان إلى ذوي الأرحام منهم، ولا يصح أبد بأي حال أن يهزأ شاب من مُسِن قد تغيرت أحواله من كرِّ الزمان عليه، أو يسخر من شيبته، فرُب شابٍ أكرم شيخا يوما لضعفه وكِبر سنه، فقيَّض الله له من يكرمه في شيخوخته بعد حين.